الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.الخبر عن مهلك ابن غانية وحركة السلطان الى بجاية وولاية ابنه الأمير أبي يحيى زكريا عليها. لما استقل الأمير أبو زكريا بأفريقية وخلع طاعة بني عبد المؤمن صرف عزمه أولا إلى مدافعة يحيى بن غانية عن نواحي أعماله فكانت له في ذلك مقامات مذكورة وشرده عن جهات طرابلس والزاب وواركلا واختط بواركلا المسجد لما نزلها في أتباعه وأنزل بالأطراف عساكره وعماله لمنعها دونه ولم يزل ابن غانية وأتباعه من العرب من أفاريق سليم وهلال وغيرهم على حالهم من التشريد والجلاء إلى أن هلك سنة إحدى وثلاثين وستمائة وانقطع عقبه فانقطع ذكره ومحا الله آثار فتنته من الأرض واستقام أمر الدولة ونبضت منها عروق الاستيلاء واتساع نطاق الملك.ونهضت عزائمه إلى تدويخ أرض المغرب فخرج من تونس سنة اثنتين وثلاثين وستمائة يوم بلاد زناتة بالمغرب الأوسط وأغذ السير إلى بجاية فتلوم بها ثم ارتحل إلى الجزائر فافتتحها وولى عليها ثم نهض منها إلى بلاد مغراوة فأطاعه بنو منديل بن عبد الرحمن وجاهر بنو توجين بخلافه فنزل البطحاء وأوقع بهم وتقبض على رئيسهم عبد القوي بن العباس فاعتقله وبعث به إلى تونس ودوخ المغرب الأوسط وقفل راجعا إلى حضرته وعقد مرجعه من المغرب لابنه الأمير أبي يحيى زكريا على بجاية وأنزله بها واستوزر له يحيى بن صالح بن إبراهيم الهنتاتي وجعل شواره لعبد الله بن أبي تهدى وجبايته لعبد الحق بن ياسين وكلهم من هنتاتة وكتب إليه بوصيته مشتملة على جوامع الخلال في الدين والملك والسياسة يجب إثباتها لشرف مغزاها وغرابة معناها ويأتي نصها فيما بعد..الخبر عن سطوة السلطان بهوارة. كان لهوارة هؤلاء بأفريقية ظهور وعدد منذ عهد الفتح وكانت دولة العبيديين قد جرت عليهم بكلكلها لما كان منهم في فتنة أبي يزيد كما نذكره في أخبارهم وبقي منهم فل بجبل أوراس وما بعده من بلاد أفريقية وبسائطها إلى أبة ومرماجنة وسبيبة وتبرسق ولما انقرض ملك صنهاجة بالموحدين وتغلب الأعراب من هلال وسليم على سائر النواحي بأفريقية وكثروا ساكنها وتغلبوا عليهم أخذ هذا الفل بمذهب العرب وشعارهم وشارتهم في اللبوس والزي والظعون وسائر العوائد وهجروا لغتهم العجمية إلى لغتهم ثم نسوها كأن لم تكن لهم شأن المغلوب في الاقتداء بغالبه ثم كان لهم انحياش أولد الدولة إلى الطاعة بغلب عبد المؤمن وقومه فلما استبد الأمير أبو زكريا وانقلبت الدولة إلى بني أبي حفص ظهر منهم التياث في الطاعة وامتناع عن المعزم وأضرار بالسابلة فاعتمل السلطان في أمرهم وخرج من تونس سنة ست وثلاثين وستمائة موريا بالغزو إلى أهل أوراس وبعث في احتشادهم فتوافدوا في معسكره ثم صبحهم في عسكره من الموحدين والعرب ففتك بهم قتلا وسبيا واكتسح أموالهم وقتل كبيرهم أبو الطيب بعرة بن حناش وأفلت من أفلت منهم ناجيا بنفسه عاريا من كسبه فألانت هذه البطشة من حدهم وخضدت من شوكتهم واستقاموا على الطاعة بعد..الخبر عن ثورة الهزعي بطرابلس ومنال أمره. كان هذا الرجل من مشيخة الموحدين وهو يعقوب بن يوسف بن محمد الهرغي ويكنى بأبي عبد الرحمن وكان الأمير أبو زكرياء وقد عقد له على طرابلس وجهاتها وسرح معه عسكرا من الموحدين من أعراب دباب من بني سليم فقام بأمرها واضطلع بجباية رعاياها واستخدم العرب والبربر الذين بساحتها وكان بينه وبين الجواهري مصدوقة ود فلما قتل الجواهري سنة تسع وثلاثين وستمائة كما قدمناه استوحش لها يعقوب الهرغي واستقدمه السلطان فتلكأ وبعث عنه أخاه ابن أبي يعقوب فازداد نفاره وحدثته نفسه بالاستبداد لما كان أثرى من الجباية وشعر لها أهل البلد فانطلقوا وهم يتخافون أن يعاجلوه قبل مداخلته العرب في أمره فتقبضوا عليه وعلى أخيه وعلى أتباعهما ليلة أجمعوا الثورة في صباحها وطيروا بالخبر إلى الحضرة فنفذ الأمر بقتلهم فقتلوا وبعث برؤوسهم إلى باب السلطان ونصبت أشلاؤهم بأسوار طرابلس وأصبحوا عبرة للمعتبرين وأنشد الشعراء في التهنية بهم وقامت للبشائر سوق لكائنتهم.وكان ممن قتل معه محمد ابن قاضي القضاة بمراكش أبي عمران بن عمران وصل علقا إلى تونس وقصد طرابلس فاتصل بهذا الهرغي ونمي عنه أنه أنشأ خطبة ليوم البيعة فكانت سائقة حتفه وكان بالمهدية رجل من الدعاة يعرف بأبي حمراء اشتهر بالنجدة في غزو البحر وقدم على الأسطول فردد الغزو حتى هابه الغزى من أمم الكفر وأمنت سواحل المسلمين من طروقهم وطار له فيها ذكر ونمي أنه كان مداخلا للجواهري والهرغي وأن القاضي بالمهدية أبا زكرياء البرقي اطلع على دسيستهم في ذلك فنفذ الأمر السلطاني للوالي بها أبي علي بن أبي موسى بن أبي حفص بقتل ابن أبي الأحمر وإشخاص القاضي إلى الحضرة معتقلا فأمضى عهده ولما وصل البرقي إلى تونس فحص السلطان عن شأنه فبرىء من مداخلتهم فسرحه وأعاده إلى بلده وقتل بالحضرة رجل آخر من الجند أتهم بمداخلتهم وسعايته في قيامهم وكان له تعلق برحاب بن محمود أمير دباب فأوعز السلطان إلى بعض الدعار من زناتة فقتله غيلة ثم أهدر دمه وتتبع أهل هذه الخائنة بالقتل حتى حسم الداء ومحا شوائب الفتنة.
|